* صفقة القرن - الحلقة الرابعة

دروب التسويات في الشرق الأوسط على حساب الوطن الفلسطيني لصالح اليهود من ألفه إلى يائ

  • دروب التسويات في الشرق الأوسط على حساب الوطن الفلسطيني لصالح اليهود من ألفه إلى يائ

اخرى قبل 3 سنة

منتدى القوميين العرب / قسم البحوث الاستراتحيه

دروب التسويات في الشرق الأوسط على حساب الوطن الفلسطيني لصالح اليهود من ألفه إلى يائ

الحلقة الأولى **

 

* إعداد الكاتب والباحث في الشأن الفلسطيني المرحوم  عبدالحميد الهمشري والمحامي علي أبوحبلة  الناطق الاعلامي باسم منتدى القوميين العرب

 

 

* صفقة القرن - الحلقة الرابعة

المعضلة الكبرى التي تواجه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الأخطر من مراحل الصراع مع المخططات الصهيو غربية ، هي حالة تعيشها المنطقة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد الساداتية – البيغينية برغبة أمريكية ، حيث عولجت في حينه على المستوى الرسمي العربي بمنح السادات الفرصة ليواصل مشواره للنظر فيما ستسفر عنه خطواته غير المسبوقة التي كانت حينذاك خروجاً عن المألوف ومستهجنة وبداية السير نحو التخلي عن قضية شعب فلسطين تحت مبررات كان يمكن أن تكون مقبولة لو ترك هذا الشعب يقارع عدوه مسنوداً بدعمهم لتثبيته على ثرى وطنه لا المساهمة في خلع جذوره منها ، بمنعه من أخذ زمام المبادرة بالنسبة لقضيته لأنه على ما يبدو أن سايكس بيكو لم تنص على قيام دولته .

 

وقد اتخذ السادات خطواته تحت شعارات تبين زيفها ، وكانت حقيقة فرصة ذهبية للعدو الصهيوني كونها أسهمت في اختراق جدار التحرر العربي من الهيمنة الغربية وصنيعتها دولة العدو الصهيوني، بل وتثبيت تلك الهيمنة ومنحها القدرة على العبث بالوجود العربي برمته وهذا ما حصل ، فمنذ انتهاء حرب أكتوبر التحريكية والسير خلف هنري كيسينجر الخرف ، العدو اللدود لكل ما هو عربي ومسلم ، والمنطقة العربية لم تعرف الهدوء والاستقرار بل غاصت في الدخول بحالة خرف عربي ومن محنة لأخرى أشد منها ضراوة وأنكى ، كونها ولدت حالة تراجع عن الثوابت العربية وبناء قدرات الأمة في مواجهة الهجمة الصهيو غربية والمتمثلة بالهجمة الاستيطانية في فلسطين وإشغالها بالعمل على إجهاض روح المقاومة بمقابل التقارب مع هذا العدو تحت شعار الانفتاح الذي لم يغير من واقعها إلا نحو الأسوأ كونه شكل انبطاحاً سافراً لإرادة العدو ، وأعطى القوى الخارجية شرقيها وغربها الفرصة للعبث أكثر من ذي قبل بالأمن العربي ، بدليل أنه رسم سيناريو التخلص ممن تجرأ على تنفيذ مشروع الصلح المنفرد مع العدو الصهيوني في يوم احتفاله بنصر العبور في أكتوبر أولاًأمام شاشات العرض العالمية ، وثانياً أن لا دولة عربية اغتنت من وراء ما أقدمت عليه من التقارب مع العدو الصهيوني ولا صعدت لميدان الكبار أو حتى دخلت في مضمار الدول الصناعية ككوريا الجنوبية مثلاً التي كانت دون الدول العربية اقتصادياً واليوم هي نار على علم في التطور والتقدم والنمو الاقتصادي ، بل دولنا العربية ذات العلاقات مع عدونا الصهيوني تراكمت ديونها بفضل جهود البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين شكلا استعماراً اقتصادياً على دول العالم الثالث وهذا ما سبق وأن حذر منه الزعيم الهندي الراحل جواهر لال نهرو في مؤتمر دول عدم الانحياز المنعقد في باندونغ بأندونيسيا عام 1955.

 

والأنكى من ذلك أن من ملكت الثروة جرى تقطيع أوصالها وإشغالها بمشاكل لنهب ثرواتها وتقاسم تركتها بين الدول الكبار كما حصل في ليبيا والعراق وفرض الجزية على الباقي تحت حجج المساهمة في حمايتها لتبقى بفضل تلك الحماية دولاً قائمة ، مع أن أمريكا ودول التحالف الغربي تقبض فعلاً أجر الحماية هذه منذ خمسينيات القرن الماضي من دول نفطية ، إلا أن ارتفاع أسعار النفط على إثر تأميمه في العام 1973 أدى لتكدس السيولة النقدية ' الرساميل' المتمثل بأرصدة الدول النفطية ما جعل الصهيونية المسيحية تسعى لامتصاص هذه الرساميل بحروب مفتعلة تقودها ، تقود هذه الحروب لتفتيت ليس الرساميل فقط بل تنال من أمن تللك الول واستقرارها وتفكيكها بقرارات تدعمها ممن يفترض أن تكون حاضنة الوفاق العربي جامعة هذه الدول ، وهذا ما كان حيث ابتدئ أولا بالحرب العراقية الإيرانية الذي أعقب انتصار الثورة الإيرانية وإنهاء حكم الشاه ، أعقبه اجتياح بيروت والمقاومة الفلسطينية من لبنان ومن ثم انفراط عقد الاستقرار والأمن العربي فتدمير دول عربية مؤثرة إقليمياً بالتجويع أو بخلق عداوات مع دول جوارها في ذات الإقليم لنهب كل ثروات العرب لتصب في صالح العدو الصهيوني أو دعم دول أوروبية مهددة بالانهيار الاقتصادي .

 

فالتقارب مع العدو الصهيوني أدى لفقدان العرب لمفاتيح كانوا يملكونها من محاولات تقريب المواقف فتباعدت وأدى لتفتيت الجهد العربي وهذا جعل العدو الصهيوني يتنفس الصعداء من خطوة السادات هذه كونه من علق جرس التقرب من العدو الذي كان سابقاً في الخفاء فأظهره للعلن ففتح الباب على مصراعيه للسير على ما أقدم عليه من تطبيع علاقات بلاده معه بمباركة أمريكية والتي كانت تسعى لهذه الخطوة من منتصف خمسينيات القرن الماضي ورفضها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر وهذا ولد حالة الإحباط الشعبي الذي أفقد الأنظمة بوصلتها واحترامها ومكن الأجهزة الاستعمارية من التحكم بمصير دولها وأمنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى استقرارها ، وهذا يعود لعجز النظام الرسمي العربي عن مواجهة الدولة التي يضعون كل بيضهم في سلالها ' أمريكا راعية الصهيونية وحاضنة إسرائيل وعدوة العرب والمسلمين عموماً والفلسطينيين على وجه الخصوص ' ، وقد شاءت الأقدار أن تنتصر الثورة الإيرانية على نظام الشاه حليف العدو الصهيوني والتي توسمنا كعرب في الجبهة الشرقية بداية من انتصارها كل خير مع توقيع اتفاقيات كامب ديفيد لكن خابت تلك الأماني بعد أن تمكنت الصهيونية وأمريكا من حرفها أي الثورة الإيرانية عن المسار الذي انطلقت من أجله وهو تحرير إيران من العبودية الغربية وتبعيتها، فيما لو أن قيادتها سارت لبناء ذاتها وفق مصالح إيران وشعوب أهل المنطقة ، لكنها سارت على درب الشاه المخلوع فتخلصت أولاً من رفاق الدرب النضالي المختلفة عنها في النهج والأيديلوجيا في الثورة ضد الشاه ثم توجهت لمحاولة فرض أجندتها على دول الجوار العربي ، ما فجر ردة أفعال عنيفة للحيلولة دون تمكينها من فرض تلك الأجندات التي تعتمد الشعوبية باسم الإسلام ، ولم يعي قادة إيران درس الدولة العثمانية حين حاولت تتريك العرب كانت نهايتها المحتومة ، فالدولة العثمانية عزت بمساندة العرب وانتهت بسبب عدائها لهم وانتهاجها الشعوبية ، ولمن لا يعلم فإن دولتي فارس والروم كان العرب بالنسبة إليهما خط الدفاع الأول عن حدود كل منهما من الآخر وحين فقدوا هذا الخط انهارت الدولتان الأعظم في العالم لصالح قوة التوحيد العربية الناشئة حينذاك.

 

كما أن دولة العرب الأولى قد عزت وسادت بالحزم والعدل فبالحزم جمعت العرب كلهم تحت سلطة المدينة ومن ثم سيرتهم لقتال من يتربصون الشر بهذه الدولة الناشئة فحققوا الانتصار على الدولتين العظميين في ذلك الحين ، وبالعدل انتشر دين التوحيد 'الإسلام ' وكثر أتباعه في الأمصار المفتوحة .

 

والمطلوب الآن عربياً وإسلامياً كبح جماح الغرور الأمريكي الفارض للوجود الصهيوني على أهل المنطقة بالعمل بجد وصدق وإخلاص على إفشال المشروع الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية المسمى بــ «صفقة القرن» بالتلاحم والتعاضد والعمل لصالح شعوب أهل المنطقة بمختلف مكوناتها العرقية والتخلص من الوجود العسكري الغربي والشرقي من بلادنا ، وفلسطينياً إغلاق الباب الفلسطيني أمام الإدارة الأمريكية وتوجهاتها ، وفتح الباب واسعاً لتعزيز الخيار الوطني وانتصاره وتحقيق طموحات وآمال الشعب العربي الفلسطيني الوطنية والتاريخية ..

 

فتسلم 'ترامب' لسدة الحكم في البيت الأبيض والمعروف بتوجهاته الصهيونية أعطى دفعة قوية لحكومة الاحتلال للدفع نحو فرض رؤيتها السياسية للحل على حساب شعب فلسطين والعرب والمجتمع الدولي الذي أسهم في وجودها بفعل الضغوط الصهيو يورو أمريكية والتي تملك مجتمعة التحكم بالقرار الدولي وتوجيه بوصلتها وفق ما يخدم مصالحها ويمكنها من هدم قدرات الآخر ، فهي من خلق المشكلة الفلسطينية ، فــ 'ترامب' و'نتنياهو' يعتقدان أن حالة الهذيان الذي تمر بها المنطقة العربية والعالم الإسلامي الأكثر ملاءمة لشطب فلسطين والقضية الفلسطينية من خارطة الجغرافيا من أساسها ، فعلى الصعيد العملي يمثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني وإخراجها من دائرة التفاوض، ودعوة 'ترامب' لشطب حق العودة بعد إلغاء وكالة الغوث 'الأونروا' التي تملك السجلات الكاملة المتعلقة باللاجئين وتأييده المطلق للتوسع الاستيطاني الصهيوني ، ينهي عملياً وجود مجتمع فلسطيني مترابط على أرض متواصلة أحد العوامل الرئيسة لقيام الدولة ، فانحيازه المطلق للعدو الصهيوني واضح من خطواته الإجرائية التي اتخذها أو مزمع على اتخاذها وفق تصريحاته المتكررة بهذا الشأن والتي تفضي لتحميل العرب مسؤولية حل مشكلة قضية اللاجئين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم وتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية واستنزاف قدرات المنطقة بعد ذلك بصراعات لا طائل من ورائها سوى تحطيم قدراتها من اقتصادية وعسكرية خدمة للأهداف الصهيو أمريكية تمكنها من السيطرة على المنطقة كلها .

 

فما يتردد بخصوص ما يطلق عليه دولة غزة هو لتشتيت الجهد الفلسطيني ، وهذا ليس بجديد بل كان مطروحاً في خمسينيات القرن الماضي وينص على اقتطاع أراض لها من سيناء يؤدي في حال الأخذ به فلسطينياً وعربياً لتصفية القضية الفلسطينية مقابل مليارات دولارات يحصل عليها الشعب الفلسطيني وسلطته من حسابات الأنظمة العربية ذاتها أي أن العرب مفروض عليهم تحمل كل تبعات المسألة الفلسطيينية شاءوا أم أبوا ، يعقبه تفجير صراعات إثنية وعقائدية في المنطقة مرتب لها من الصهيونية المسيحية تأكل الأخضر واليابس تكون فيها أمريكا وإسرائيل مستشار أطراف الصراع ، لتتحول القضية الفلسطينية من قضية جامعة للعرب والمسلمين، إلى غطاء وشرعنة لمزيد من الانقسامات والحروب الداخلية في المنطقة، خدمة للمشروع الاستعماري الأميركي والصهيوني فيها..

 

فبات واضحاً وجلياً أن الإدارة الأميركية، وإسرائيل تحاولان الاستفادة من الظروف القهرية التي يئن تحت وطأتها كل العرب ، لتمرير هذه الصفقة ، حيث ترى إسرائيل والولايات المتحدة، بأن التفكك العربي ومحاولات بعض الأنظمة العربية أن تصنع لها دوراً ونفوذاً في المنطقة، قد يدفعها للتراجع عن مواقفها التقليدية، والذهاب بعيداً، في سبيل الحصول على الدعم الأميركي، والذي يمر عبر بوابة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من خلال الموافقة ، أو الصمت على تصفية القضية الفلسطينية وتبديل الأولويات في المنطقة ، حيث تصبح إسرائيل جزءاً طبيعياً منها ، تهيمن على اللعبة السياسية فيها وتسيرها وفق ما يخدم مصالحها وتوجهاتها.

 

إذن ' صفقة القرن ' رغم عدم وجود نصوص رسمية حتى اللحظة حولها سوى ما يأتي من باب ما يتم من تسريبات أمريكيةوإسرائيلية وعربية تحمل مضامين خطيرة هدفها

 

“تصفية” القضية الفلسطينية وتبذل الجهود في سبيل تحقيق مراميها لكنها تواجه حتى اللحظة حالةً من التعثُّر، على ضوء الإجماع الفلسطيني برفضها ، وحالة التراجع و”البرود” العربي تجاهها، ما أدى للإرباك في أداء السياسة الخارجية الأمريكية.

غير أن ذلك لا ينبغي أن يُقلل من خطورة المحاولات الأمريكية الجارية لحسم بعض قضايا الحل النهائي، بما يخدم التصور الإسرائيلي، من خلال فرض الحقائق على الأرض، وخصوصاً القدس واللاجئين؛ كما لا ينبغي أن يقلّل من خطورة حرف بوصلة الصراع، من خلال تشكيل تحالف عربي إسرائيلي، بما يعزز الصراع الطائفي ويقطع الطريق على قوى التغيير والإصلاح في المنطقة

وتبدو فرص نجاح الصفقة ضعيفة في ظل الظروف الراهنة، بينما يبقى سيناريو فشل الصفقة هو الأرجح ، مع وجود سيناريو يتوجب إبقاءه “تحت المراقبة” وهو محاولة تمرير الصفقة بعد “تأهيل” فلسطينين وعرب لقبولها، من خلال “تلميع” طرف فلسطيني ملتزم بمسار التسوية، باعتباره صامداً ومحافظاً على الحقوق الفلسطينية، ثم تحقيقه لتسوية يبدو أنه أنجز فيها مكاسب مهمة ، بينما يتم تمرير قضايا خطيرة مرتبطة بالقدس واللاجئين والسيادة والاستيطان، باعتبارها تضحيات ضرورية لإدارة المرحلة

فهناك نقاط ما تزال محلَّ نقاش كالمساحة التي ستُسلم للفلسطينيين من الضفة الغربية، ووفق أي مراحل وشروط والممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة وطبيعته وإدارته ، وما إذا كان ستتم عملية “تبادل أراضٍ” لتعويض الفلسطينيين عن الأراضي التي تقع عليها المستوطنات الإسرائيلية، أو لا ترغب قوات الاحتلال بالانسحاب منها. فهل سيكون التعويض من أرض فلسطين 1948، أو من أرض سيناء وفق ما “أُشيع” عن إمكانية اقتطاع 720 كم2 من سيناء بين رفح والعريش، بحيث يتم تعويض مصر عنها بمساحة مماثلة من النقب في منطقة أم الفيران؛ وهو ما نفاه الجانب المصري؛ أم أنه لن يكون هناك تعويض أساساً وكيف سيتطور الشكل الانتقالي للكيان الفلسطيني الذي سيسمى “دولة”. وما إذا كان هذا الكيان، سيُضم إلى كونفدرالية مع الأردن أم لا؟! وكيف سيتم إنهاء “حكم حماس” في قطاع غزة؟! وما هي الأحياء التي يمكن أن تُضم إلى أبو ديس لتشكل عاصمة فلسطين (مثلاً الأحياء التالية أو بعضها: شعفاط ، وجبل المكبر ، والعيسوية، وبيت حنينا ، ورأس خميس، وكفر عقب.(

وأياً تكن الصورة التي يتم الترويج لها فنحن في النهاية وباختصار أمام عملية “تصفية” للقضية الفلسطينية، وأمام قيام “دولة إسرائيلية” بنظامين أحدهما خاص باليهود يستمتع بكافة المزايا، وآخر عنصري “أبارتهايد” خاص بالفلسطينيين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات على خبر: دروب التسويات في الشرق الأوسط على حساب الوطن الفلسطيني لصالح اليهود من ألفه إلى يائ

حمل التطبيق الأن